موقع مدرسي اللغة العربية موقع مدرسي اللغة العربية
randomدروس

آخر الأخبار

randomدروس
randomدروس
جاري التحميل ...

تحليل قصيدة : تموز جيكور ( بدر شاكر السياب )

القصيدة
ناب الخنزير يشقّ يدي
و يغوص لظاه إلى كبدي
و دمي يتدفق ينساب
لم يغد شقائق أو قمحا
لكنّ ملحا
عشتار و تخفق أثواب
و ترف حيالي أعشاب
من نعل يخفق كالبرق
كالبرق الخلب ينساب
لو يومض في عرقي
نور فيضيء لي الدنيا
لو أنهض لو أحيا
لو أسقى آه لو أسقي
لو أن عروقي أعناب
و تقبل ثغري عشتار
فكأن على فمها ظلمة
تنثال علي و تنطبق
فيموت بعيني الألق
أنا و العتمة
,,,
جيكور ستولد جيكور
النور سيورق و النور
جيكور ستولد من جرحي
من غصة موتي من ناري
سيفيض البيدر بالقمح
و الجرن سيضحك للصبح
و القرية دارا عن دار
تتماوج أنغاما حلوة
و الشيخ ينام على الربوة
و النخل يوسوس أسراري
جيكور ستولد لكنّي
لن أخرج فيها من سجني
في ليل الطين الممدود
لن ينبض قلبي كاللحن
في الأوتار
لن يخفق فيه سوى الدود
,,,,
هيهات أتولد جيكور
إلا من خضة ميلادي ؟
هيهات أينبثق النور
و دمائي تظلم في الوادي ؟
أيسقسق فيها عصفور
و لساني كومة أعواد ؟
و الحقل متى يلد القمحا
و الورد و جرحي مغفور
و عظامي ناضحة ملحا
لا شيء سوى العدم العدم
و الموت هو الموت الباقي
يا ليل أظلّ مسيل دمي
و لتغد ترابا أعراقي
هيهات أتولد جيكور
من حقد الخنزير المتدثّر بالليل
و القبلة برعمة القتل
و الغيمة رمل منثور
يا جيكور.
تحليل القصيدة الشعرية
شكل الشعر العربي المعاصر انعطافة حاسمة في تاريخ الأدب العربي بدأت ملامحه الأولى بظهور سنة 1948 فقد تزامنت هذه البداية مع نكبة فلسطين التي خدشت مكامن الإنسان العربي و أوقفته على خطورة وضعه و مواقفه التقليدية مما كان سببا في انتشار موجة الشعر الجديد في كل أنحاء العالم العربي فقد جاءت تجربة شعر تكسير البنية بخطاب جديد شكل نقلة جديدة للشعر و الأدب مختلفة عن الرؤى السالفة فبدأت هذه الدعوى ترسي أساسها بمحاولة الخروج من هيكل الشعر و بناءه و تحريره من سيطرة الأوزان فكان شعر تكسير البنية تجسدا لوعي جديد داخل صياغة مبتكرة تنتقل من المعاينة الوصفية و المحاكاة و الانغماس في الذات الشاغرة إلى التعبير عن حضور الشاعر في العالم و تفاعله مع الكائنات المحيطة به فكانت أعمال نازك الملائكة و أدو نيس و بدر شاكر السياب تمثل جيل الرواد الأوائل الذين مثلوا هذا الخطاب. فما هي مضامين هذه القصيدة ؟ وما هي الخصائص الفنية التي عبر من خلالها عن هذه المضامين ؟والى أي حد مثلت هذه القصيدة نمودج تجديد الرؤيا ؟
اذن للإجابة عن هذه الفرضيات المبهمة و التساؤلات المطروحة سنقوم بالغوص في أعماق القصيدة لاستقطاب معانيها و دلالتها بدءا بالمضمون و انتهاء ببنيتها , فبعد قراءتنا للقصيدة تبين لنا أن مضمون القصيدة هو مضمون عبر عنه الشاعر بكل حماس وهو يتناول رؤيته الخاصة تجاه قريته جيكور حيث دفع الشاعر إلى قراءة وضعيته الأليمة ووضعية المكان الذي نشأ وترعرع فيه بعيون الأسطورة الحقيقة أن هذه القصيدة تبني دلالاتها وفق مقدمتين ونتيجة مناقضة إذ يلتحف الشاعر بقناع تموز مبرزا مالحقه من ألم المرض العضال الذي لا يفارقه بل يؤجج لظاه ليسري في كل أحشاء جسمه. وبهذا تكتمل لدينا الصورة التي أراد شاعرنا أن يسيجها في الأسطورة. فتموز (أدونيس) إذن هو الشاعر أما عشتار الحبيبة فما هي إلا التجلي الدائم والحاضر لقرية الشاعر جيكور، من هنا يغدو الكائن المتوحش الذي يفرق بين الثنائي المنسجم بالحب والتفاني. هو الخنزير (المرض), ويتبين هذا من خلال الوحدات التي قسمها الشاعر لقصيدته وهي على النحو التالي الوحدة الاولى فيها ينسج الشاعر تجربته مع جيكور بخيوط أسطورة تموز كاشفا عن بعض الخصائص الدقيقة التي تميزهما عن تموز وعشتار، إذ نعرف أن جسد تموز القتيل أضحى شقائق نعمان وقمح من هنا جاءت رمزية هذه الأسطورة للخصب والانبعاث وتجدد البعث في فصل خاص هو فصل الربيع السبب في ذلك يرجع إلى ترقب الشاعر للموت، وبعد هذه النبرة المسكونة بالاستسلام الذي تفوح منه رائحة الموت يستعيض الشاعر بالاستسلام نبرة جديدة مفعمة بالحلم والترقب والتمسك بالحياة ( لو أسقى، لو أنهض) لكن سرعان ما يتحول هذا البصيص من الأمل المتأجج إلى عتمة وموت، أما الوحدة الثانية فيها ينتقل الشاعر الى الحديث عن وضعية جيكور الحبيبة في مشهد شبيه بالحلم المنتظر عندما تخضر البيادر وتورق أزهارها من تضحية الشاعر ومن دمه من جسده المسجى في ليل الطين الممدود المفرغ من كل معاني الحياة إلا من الدود الذي ينخر عظامه، و أخيرا يأتي المقطع الثالث بنبرة اعتراف باستحالة الولادة بعد موت الحبيب (الشاعر) وهذا ما يفضي به إلى الاستسلام (هيهات أتولد جيكور...)، من هنا نلمح بعض التغيير في الأسطورة، فإدا كانت عشتار وتموز رمزين للبعث والخصب وإن كان ذلك على حساب موت العاشق، فإننا هنا ندرك أن موت الشاعر رهين بموت جيكور وانبعاتها رهين بشفائه، ولما كان الشفاء مستحيلا وغدا معه الحلم (الغيمة) رملا منتورا، فلا حياة إذن ولا خصب عندما ينتصر الموت، وللتعبير عن هدا المضمون نجد الشاعر قد سخر مجموعة من الاشياء في مقدمتها المعجم الذي نجده يتفرع الى حقلين دلاليين حقل دال على (الطبيعة ) وحقل دال على (.الماء.) بالنسبة للألفاظ التي تدل على الحقل الاول فهي (الخنزير ، قمح ، أعشاب ، نور ، أعناب ، البرق ، الربوة ، الغيمة...)، أما الالفاظ الدالة عل الحقل الثاني فهي ( ينساب ، أسقى ، الوادي ، مسيل ، الطين)، ومن خلال ملاحظتنا لهده الالفاظ نجد أن هادين الحقلين مترابطين ومتكاملين في ما بينهما , والعلاقة بين الحقلين الدلالين هي دلالتهما على الخصب والعطاء, ولعل شاعرنا قد وجد نفسه مضطرا لإضفاء على القصيدة لمسة فنية تجلت في الصور الشعرية حيث تنوعت و تفرعت بين التشبيه و الاستعارة و التكرارات و المجاز الى غير ذلك من الصور , التشبيه كقوله ( كالبرق الخلب ينساب )، اما الاستعارة ( فيموت بعيني الألق ) و التكرارات كتكرار الكلمات ( كالبرق ) وتكرار الجمل ( هيهات ، أتولد جيكور ؟ ) والتوازي التركيبي ( لو أنهض ، لو أحيا ، لو أسقى). وهكذا نجد ان هذه الصور قد أضفت على القصيدة صبغة و جمالية, كل هذا يدفعنا للحديث عن جانب اخر من جوانب القصيدة الا و هي بنية القصيدة فالقصيدة التي بين ايدينا جاءت على نظام ( الشطر الواحد) أما الروي فقد جاء متعدد مرة حرف الياء وتارتا أخرى حرف الدال....،كل هذا يضفي على القصيدة ايقاعا موسيقيا رنانا، وقد سخر الشاعر مجموعة من من الاساليب مثل النفي (لا شيئ سوى العدم العدم.) و الاستفهام ( أينبثق النور و دمائي تظلم ) والنداء ( ياليل أظل مسيل دمي ، يا جيكور) واخيرا التأكيد (الموت هو الموت الباقي) .ادن بعد هذه الاشواط من التحليل التي بدأناها بالمضمون و انتهاء بالخصائص الفنية التي تميزت بها قصيدة ( تموز جيكور ) يمكن القول أن هذه القصيدة قد متلث نمودج التجديد وتكسير البنية.
هكذا نصل في الأخير إلى القول إن قصيدة تموز جيكور لم تكن رثاء ذاتيا بقدر ما هي تصوير لمشهد درامي وجودي لصورة الذات أمام الموت ، ولم تكن هذه الذات مفردا بقدر ما كانت ذائبة مع الجماعة ومع المكان «جيكور» وعلى الرغم من الصيغة الأسطورية التي نسجت بها أسطر القصيدة .فقد كانت صورة الشاعر واضحة أكثر من وضوحها في المرآة.
فإدا كانت المرآة تكشف السطح والملامح فإن القصيدة تفضح ما يموج به خيال الشاعر في أعماق روحه الجريحة عندما اختار أن يجعل من الكلمات أداة لتذويب أكداس آلامه مع حبر القصيدة. من هنا نجد قدرة فائقة في تكسير بنية الشعر التقليدية خصوصا عندما اختار الشاعر تفتيت نمطية الشطرين بنظام السطر والتنويع في القوافي والأرواء وتكثيف موضوع الموت كإشكالية وجودية. فلا غرو إذن أن يكون السياب رائدا لهذا النمط الشعري الجديد .

عن الكاتب

موقع مدرسي اللغة العربية

اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

خريطة مدينة سيدي سليمان


حالة الطقس

+25
°
C
H: +28°
L: +18°
سيدي سليمان
الاثنين, 15 حزيران
أنظر إلى التنبؤ لسبعة أيام
الثلاثاء الأربعاء الخميس الجمعة السبت الأحد
+31° +32° +32° +29° +31° +34°
+17° +19° +19° +18° +17° +17°

جميع الحقوق محفوظة

موقع مدرسي اللغة العربية